في البداية لم يكن هناك جرامات ولا أمتار ولا ثواني. لكن عندما أصبح الإنسان أكثر احتياجاً للشراء والبناء والسفر، كان مضطراً لوسيلة تساعده على التعامل بشكل أفضل، فقام بخلق وحداتٍ للمساعدة نسميها اليوم وحدات القياس لكنها في الأصل وحدات المقارنة، نحتاجها لنقارن شيئاً بشيءٍ أخر ونحدد إن كان يساوي ضعفه أو نصفه، فنتخذ قراراً أفضل بعد المقارنة.
عندما بدأت كتابة سلسلة طريقة صناعة السعادة في المنزل، فكرت وقتها ما دمنا في احتياج لأن نصبح سعداء أكثر، لماذا لا نبتكر وحدة قياس جديدة للسعادة نستخدمها للمقارنة بين الأشياء فتسهل علينا إختيار الشيء الأكثر إسعاداً لنا، فإن كان هناك إختيار يساوي واحد سعادة وإختيار أخر يساوي ثلاث سعادات، نختار الثاني بدون تردد.
قمت بالتعمق في الفكرة وبدأت بنائها بالفعل، بدأت بالأشياء التي كانت حولي في الغرفة وحاولت قياسها وتأسيس طريقة للمقارنة بينها، الزرعة البلاستيكية على مكتبي كم تساوي لو قارنتها بجهاز الأيماك المجاور لها. ومع الإجتهاد في وضع مقارنة دقيقة بينهما على مقياس السعادة، اتضح لي أن الأشياء في الأصل لا تسبب السعادة ولا يمكن لها أن تحدد كم ستسعد صاحبها. لكن توقعاتنا عن الأشياء هي التي تسبب لنا السعادة في حال تحقق ما توقعناه مسبقاً عن الشيء.
لو كنت أتوقع من زرعتي البلاستيكية أن تُخرج لي عوداً من النعناع أحلي به كوب الشاي فبالتأكيد ستساوي صفراً لو قارنتها بجهاز الأيماك، ولو كنت أتوقع من جهاز الأيماك قبل شرائه أن يساعدني في إنتاج فيلم يشبه أفلام بيكسار، فبالتأكيد سيساوي وقتها صفراً مثل الزرعة البلاستيكية.
لذلك، بدلاً من إبتكار وحدة للقياس، كان من الأولى تدريب النفس على إدارة التوقعات وتنظيمها لزيادة حالات السعادة وتقليل حالات الإحباط التي تصدر بعد شراء شيء أو إتخاذ قرار أو السعي في خطوة ما.
فنحن عندما نتمنى أن نملك شيئاً ولا نصل إليه بسرعة. يسحبنا التعلق إلى التفكير فيه ونحاول تجسيده، ولأن خيالنا هو صديقنا الكاذب اللامنطقي فهو لا يحب إحباطنا مثلما يفعل بنا الواقع، فيسعى دائماً لتجميل الأشياء التي يجسدها لنا، ويفترض ما ليس بها ويزيد من حسناتها ويتجاوز عن سيئاتها ويصفها أكثر جمالاً من واقعها. ولأن الخيال هو صديقنا الحريص على مشاعرنا فنحن نحسن الظن فيه.
وحسن الظن في الخيال يورطنا في اللاواقعية عند الإقبال على أمر ما ثم الإحباط عند الحصول عليه، فيحبطنا الزواج في الواقع لأننا أحببناه في الخيال أكثر، ويحبطنا الهاتف الذكي الذي اشتريناه لأن بطاريته لا تكفي حتى نهاية اليوم وكنا نتخيله أكثر ذكاءً من هذا، وتحبطنا ملابسنا الغالية بعدما نشتريها وتبلى، ويحبطنا ساندويتش اشتريناه رغم أنه كافي لإشباعنا لأنه لا يشبه حجمه الذي تخيلناه من الإعلان، ويحبطنا أبنائنا لأنهم ولدوا يشبهون أنفسهم ولا يشبهون ما توقعناه. ولو لم نكن نتوقع شيئاً من هذا من البداية لزادت سعادتنا بهم ورضانا عنهم.
وكثرة الإحباط تزيد الهم والخوف وتقلل الإقبال على الحياة والشراء والسفر والعلاقات. فهون عليك في التوقع ترحم نفسك من الإحباط، أحسن التعامل مع صديقك الخيال، دعه يفرحك كالطفل قبل النوم بقصص الخارقين واصطياد الأسد والسباحة في أعماق المحيط، وتظاهر بتصديقه والفرح وأنت تعلم أنه كاذب. أقبل على الأشياء بغير توقعك المسبق ولا وصفك الوردي اللا منطقي، دع الأشياء تُعبِّر عن نفسها بنفسها، وتصف نفسها لك وافرح.