فكرتان سائدتان في بيتنا، الفكرة الأولى أنك لو أردت أن يقفز فراس من مكانه من الفرح فعليك أن تخبره أن سواريز قد أحرز هدفاً ولو أردت أن تقفز فيروز من مكانها من الفرح فعليك أن تخبرها أننا قد وجدنا حشرة في المنزل. لا نخبرهم بهذا كذباً بكل تأكيد، يجب أن يكون سواريز قد أحرز هدفاً بالفعل ويجب أن نكون قد رأينا صرصاراً أو فراشة أو خنفساء حتى نخبر فيروز بهذا.
أما الفكرة الثانية فهي أننا لا نتحكم أبداً في مشاعر أبنائنا تجاه الأشياء ولا نحاول حتى أن نستدرجهم نحو ما نشعر به، مشاعر القرف والخوف والحب لديهم هي مشاعرهم وحدهم ولا نملك منها شيء، أنا لا أحب الحشرات، لا أحب الفئران ولا أحب الأماكن المظلمة، أما فيروز فلديها القدرة النفسية على لمس الصراصير أو اللعب مع الفئران دون اشمئزاز. وأنا أتعمد ألا أخبرها أبداً بالإشمئزاز الذي قد أشعر به لو لمسني صرصار حتى لا تبني مشاعرها الخاصة من خلالي.
مشاعر الفرح والخوف والقرف والاشمئزاز وما شابهها هي مشاعر شخصية بحتة، قد يؤثر المجتمع فيها، لكنها تنتج في الأصل من داخل الإنسان وله كامل الحق في بنائها لنفسه. القرف بالتحديد ليس شعوراً عالمياً موحداً يسري على جميع البشر تجاه نفس الأشياء، وهو ليس لديه وحدة قياس لكي نحدد أن بعض الأشياء مقرفة بدرجة ٦ وأشياء غيرها مقرفة بدرجة ٣. لكنه أمر شخصي ليس من الطبيعي أبداً أن يتشابه بين الناس.
شاهدت طفلاً في النادي قد خلع حذائة وركض حافياً ولم تستطع أمه أن تقنعه بلبس حذائه، فكانت تنادي عليه أمام باقي الأطفال وتقول له انتبه وإلا سيأتي الصرصار على قدمك، كانت فيروز تسمع كلامها باستغراب وتنظر إلي كأنها تنتظر مني تبريراً لما تقول أو أن أشرح لها لماذا تستخدم الأم هذا الأسلوب مع الطفل، لكنني في الحقيقة لم أكن أملك أي تبرير لما تقوله، أنا لا أفعل هذا ولا أحب أن أرى أحداً يفعل هذا. نحن مسؤولون الآن عن أطفالٍ سيعيشون في عالم لا يشبه عالمنا الحالي، عالم له طباعه الخاصة، طعامه الخاص، وظائفه الخاصة، واحتياجاً مختلفاً للعلوم والوظائف والأبحاث، وقد تصبح فيروز مثلاً عالمة حشرات بفضل هذا الحب الذي تحمله للصراصير وهذا الدعم الذي تلقاه مني، وليس لي الحق إطلاقاً في أن أجعلها تشعر بنفس الإشمئزاز الذي أشعره تجاههم، وقد تساهم فيروز في مشروع مثل المرحاض الذي يصنعه بيل جيتس أو تحويل الصرف لمياه شرب. قد تحتك بحبٍ وشغفٍ وبشكلٍ مباشر ويومي بالأشياء التي لا أحبها أنا ولا أتحملها والتي لدي القدرة والمنصب اللذان يمكناني من جعلها تكرهها أو أن تخاف منها، لكنها فكرة أنانية جداً أن أفعل هذا. أنا ليس مقياساً للمشاعر، ليس مقياساً للنظافة وليس مقياساً للخوف عندها، أنا فقط أبوها والأشياء التي أشعر تجاهها بالقرف هي أشياء يأكلها شعوبٌ آخرون ويشعرون أنها شهية وقد يكونون أصحاء أكثر مني. والآشياء التي أشعر تجاهها بالإشمئزاز هي وظيفة وشغف أناسٍ آخرين وهي علمهم وعملهم اليومي وهي مصدر نجاحهم وإنجازهم. وإننا نحن الأهل حتى وإن كنا نمتلك القدرة لكننا لا نمتلك الصلاحية أبداً لجعل أبنائناً يشبوهننا ويحملون نفس مشاعرنا وتفاصيلنا وأمرضانا العصبية وانطباعاتنا وخوفنا وفلسفتنا، نحن هنا معهم لنحميهم من الإنحرافات بينما هم يكونون مشاعرهم وتفاصيلهم وانطباعاتهم الخاصة. وكوننا آباء وأمهات لا يعني أبداً أننا نملك كامل الصلاحيات تجاههم، لكنه يعني أننا مؤثرون جدا، فعلينا مراعاة تأثيرنا هذا والتزام حدودنا فيما يتعلق بخصوصياتهم وشخصياتهم ومشاعرهم حتى لا نحرمهم من شغفٍ كانوا سيحققون بسببه أمراً عظيماً لو أننا لم نتحكم في مشاعرهم يوماً ما.