جلسنا مع الطبيبة قبيل الولادة لنسألها عن تفاصيل اليوم الفيروزي المنتظر ونخبرها أنني أريد أن أكون حاضراً إلى جانب زوجتي في غرفة العملية كما كنت إلى جانبها في كل وقت قبلها. حاولت تحذيري من شدة الموقف وكنت مصراً على وقفتي معها. فقد قررت أن أكون أول من يرحب بالفيروزة عندما تأتي لأطمئنها أن ما يحكونه عن الدنيا ليس صحيحاً كما هو شائع، وأن العالم الأن ليس قبيحاً كما يصوره المحبطون وأنها مناسبةٌ لهذا الزمان وهذا الزمان مناسبٌ لها. وأن أكون بجانب زوجتي أتابع لها ضغط دمها وبكائها والألم.
في الغرفة الهادئة من كل شيء إلا بكائها، عقمت نفسي وخلعت حذائي ووقفت بجانبها وبدأت دوري في التخفيف عنها والتحايل على الألم وعيناي على الشاشة الصغيرة التي تعرض ارتفاع ضغط الدم ونبضات القلب كأنها تكشف لنا قدر التعب الذي تشعر به، ولم أكن بحاجة لشاشة وبعض أرقام متسارعة التزايد لتخبرني كيف تتألم زوجتي وأنا لدي موهبةٌ في اكتشاف ما يشعر به الأخرون، لكن هذه المرة قد تجاوز الألم موهبتي وتجاوز ضغط دمها ما تخيلته حتى نسيت بأننا في انتظار فيروزتنا وأن الغرفة ستزيد فرداً بعد خمس دقائق وأن علينا الاستعداد لمراسم الترحيب. نسيت كل الأشياء المهمة في ذلك اليوم وعشت الألم الذي بها وضغط دمها ونبضات قلبها وبكائها وتذكرت فقط كم كنت سخيفاً حين كنت أشتكي الألم الطفولي الذي أشعر به عادةً إذا امتلأت بطني، كم كنت سخيفاً حين وصفت نفسي أنني أتألم عندما أكثرت في العشاء وملأت بطني بسبعين جرام زائدة من الطعام والفاكهة. كنت وقتها قاصراً في إدراك معنى الألم، فكل ما مررت به مجتمعاً لم يكن إلا مزحةً من مزحات الجسد وليس ألما حقيقياً مثل ألم الولادة.
عند الساعة الثالثة وست وثلاثين دقيقة عصراً كنت قد تعلمت أكثر، نضجت أكثر، تعلقت أكثر، وأصبحت أكثر إدراكاً للألم والتحمل والقوة وحب الحياة، حياةِ أنفسنا وحياةِ أطفالنا. فقد زادت الغرفة فرداً وزادت العائلة فرداً، هو تلك الفيروزة التي علمتني الحب وعلمتني الألم وعلمتني الأب وعلمتني الأم. وهدأت زوجتي التي علمتني أن النساء لديهن القدرة على حمل الألم، وأنني لم أشعر قبلُ بالألم، وأن ثَمَّ أشياء لم أتعلمها بعد، وأن زوجتي لا يجب أن تحزن بعد اليوم. فسلامٌ على زوجاتنا وأمهاتنا في كل يوم، سلامٌ عليهن إذا ارتفع صوتهن أو إنفعلن أو غضِبن أو أغضبن، فقد تألمن ما يشفع لهن كل الخطأ حين يخطئن.