أصبح يتحدث عن الزواج في كل مرةٍ نسهر فيها، يبدو أن صديقي الصغير قد بدأ يفكر في الأمر، يسألني عن التفاصيل الصغيرة، عن التجارب، عن المواقف عن السعادة عن الحب وعن دواعي القلق. هو مقبلٌ على الأمر بكل تأكيد لكن هناك ما يخيفه بشدة. يقولها بصراحة “أنت الوحيد الذي يقلل خوفي من الزواج دوناً عن باقي المتزوجين”.
كان يسألني هل الحياة بعد الزواج أجمل! فأقول لا أعرف، الأمر يتوقف على عدة أشياء قد تختلف بيني وبينك، وقد تختلف بيني وبين نفسي في ظروفٍ أخرى، فيسأل هل سأفتقد العزوبية! فأقول لا أعرف ربما تفتقدها وربما تتذكرها وأنت متأثر وتقول في نفسك الحمد لله الذي أخرجنا منها. ثم سألني هل حقاً الحب يقل بعد الزواج حتى ينتهي مع الوقت! كان في كل مرة يسأل فيها أقول لا أعرف، أما سؤاله عن الحب فقلت له هذا أعرف إجابته جيداً. في الواقع لا يوجد سببٌ عاقل يجعل الحب كبيراً في البداية ولا يوجد سببٌ آخر يجعله يقل مع الوقت. الحب يكون سطحياً في البداية ثم يزيد كل يوم بعد الزواج حتى يتعمق منا ويصبح شيئاً من تركيبنا الجيني، حتى أنني أقول مجازاً أن أبنائنا يحبون أمهاتهم لا لأنهم يحبونهم حقاً، لكن لأننا أورثناهم ذلك في جيناتهم. كلما زادت الأيام بينكما بعد الزواج وكلما زادت بينكما الحوارات، زادت القرابة، زاد الفهم، زادت الهدايا، زادت السهرات زادت اللحظات التي تحملتك أو تحملتها فيها، زادت المواقف التي تستحق الشكر، تستحق الامتنان، تستحق أن تتذكرها إلى الأبد، تستحق أن يزيد الحب لأجلها.
الحب في البدايات لا يجد أسباباً حقيقه تدعمه، أسبابه في البدايات سطحية جداً كإعجابك بلون عيني من تحب، أو انجذابك لطريقة حديثه أو أن يكون طوله مناسب لطولك مثلاً، وبعض الانطباعات والمؤشرات الأولية فقط، فأنتما بالكاد تعرفتما، وأنتما حتى ليس أقرباء، وهي أسباب لا يمكن أن تصل بالحب إلا قمته. أما بعد الزواج، وبعد مرور سنوات يكون الحب مدعوماً بأيامكما السابقة، بحوارتكما، بأكلاتكما معاً، بهداياكما بخطوات التعسر والنجاح، بقرابتكما، بليالي الحمل التي كنت تدعمها فيها فتتذكرها لك، وليالي الإرهاق التي كانت تخفف عنك فيها فتتكذرها لها. كل هذا يزيد الحب حتى يبلغ الحد الذي يصبح فيه أقوى منكما ولا يمكن أن ينتهي أبداً حتى لو رحل أحدكما عن الحياة. فلو لم يزد الحب مع الزمن فهي ليس مشكلة زواج كما يظن البعض، ولا هي طبيعة العلاقات كما يخبرك المتزوجون، لكنها ربما مشكلة تعامل أو مشكلة إهمال وعدم تقدير لما بينكما، أو قلة سهرات وحوارات ولعب وعشوات ومشاركات ودعم بينكما أو أنكما لا تعاملان بعضكما بالشكل اللائق الذي ينتج الأسباب الحقيقية للحب. ولم تمنحا بعضكما مواقفاً حقيقية تستحق أن يزيد الحب لأجلها. فلا تصدق يا صديقي أن الحب يقل بعد الزواج، وإنما قد يتزوج بعض الناس وهم غير مستعدين لدعم الحب فيرحل عنهم.