هل تعرف يا أبي! أكثر ما أتمناه هو أن أذهب إلى السوبر ماركت وأن أحصل على كيس شيبسي وقطعة حلوى ثم أخرج دون دفع المال ودون أن ينقصوا من مصروفي… لماذا وضعوا قانوناً يجرم هذا التصرف يا أبي رغم أن كل الناس تتمنى فعله ورغم أن صاحب السوبر ماركت لن يتأثر إطلاقاً إذا نقص من عنده كيس شيبسي وقطعة شكولاتة! أتحدث مع فراس وفيروز كثيراً منذ سنين في هذا الأمر بشكلٍ قاطع وحازم لكن رغم كل حديثي ورغم التزامهما إلا أنهما لا يزالان يشعران أن الأمر أكثر بساطة من التعقيدات والقوانين والحلال والحرام وأنه أقل ضرراً على المجتمع مما أصفه.
بالأمس ذهبنا إلى سوبر ماركت قد اعتدنا إلى ذهابه لشراء الحلوى، عندما أوقفنا السيارة أشار لنا رجل الأمن أن المكان مغلق لأنهم يقومون بجرد المنتجات، هنا جائت الفرصة التي انتظرها والتي أسميها نقطة الضعف أو بالأحرى نقطة القوة، النقطة التي سيصغي فيها أبنائك لك وهم يشعرون بالفضول ولديهم الطاقة الكاملة للاستيعاب، والتي دائماً ما تأتي بعد سماع مصطلح لأول مرة يحرك فضولهم للمعرفة.
فراس وفيروز… هل تعرفان ما هو الجرد؟ – لا يا أبي لم نسمع عنه من قبل.صاحب السوبر ماركت يا فيروز لا يجلس دائماً هنا، هو يدفع مرتباً لأحد الأشخاص لإدارة المكان، ثم يحضر لهم مثلاً مئة كيس من الشيبسي حتى يبيعوها. في نهاية الشهر يكون الرجل قد باع خمسين كيساً من الشيبسي (إذن كم كيساً تبقى في المحل؟ أجاب فراس خمسين كيس ورددت فيروز مثله خمسين كيس) هنا يذهب الرجل لصاحب السوبر ماركت ويخبره العدد الذي باعه ويعطيه أمواله. وحتى يتأكد صاحب السوبر ماركت أن خمسين كيساً بالفعل قد تم بيعهم فإنه يذهب إلى المحل ويقوم بعد الأكياس المتبقية. فإن وجدهم خمسين كيساً فإن كل شيء يسير بشكلٍ صحيح، أما إن وجدهم تسعة وأربعين كيساً فقط فبالتأكيد هناك مشكلة ما. إما أن الشخص الذي يعمل معه قد سرقه أو أنه قد أهمل في عمله ولم ينتبه عندما دخل طفل أو شاب أو رجل وأخذ كيس من الشيبسي وخرج دون أن يدفع الأموال. وفي الحالتين يا فيروز سيقوم صاحب المحل بطرده لأنه غير أمين أو غير متقن لعمله. سيفقد الرجل وظيفته ومرتبه ولن يستطيع أن يحضر الطعام أو الحلوى إلى أبنائه مرة أخرى، وربما أيضا لن يقبل أي مكان آخر أن يوظف هذا الرجل فيستمر الوضع لفترة طويلة حتى يموت الأطفال من شدة الجوع أو من صعوبة الحياة أو من عدم قدرتهم على شراء دواء. كيس شيبسي واحد يا فيروز، كيس شيبسي واحد يا فراس، كيس شيبسي واحد يأخذه أحدكما بغير حق من على رف به ألف كيس شيبسي لن يشعر به أحد وستنسيان طعمه بعد أكله لكنه ربما يجعل أطفالاً تنام يوماً وهم يبكون من شدة الجوع أو يجعل رجلاً لا يستطيع أن يعالج أطفاله أو أن يسعدهم. كيس شيبسي يبدو أصغر وأبسط مما تتخيلان لكن كل شيءٍ بغير حق فهو كبير وعظيم ويستحق أن نضع له القوانين والحلال والحرام والتعقيدات وأن نشعر بالرعب من الاقتراب منه.
قاطعتني فيروز…. يا الله!!! مجرد التفكير في الأمر شيء مرعب. إنها أسوء فكرة خطرت ببالي أن أجربها في حياتي، مستحيل أن أفكر مجرد تفكير في هذا الأمر مرة أخرى حتى لو حُرمت من الشيبسي والشوكولاتة لباقي حياتي.
هنا أمد يدي إلى الكرسي الخلفي من السيارة، أسحب يديهما وأقبلهما قبلتين خفيفتين ثم أشكرهما على استماعي، وأحمد الله على حسن استماعهما، وأحمد الله على نعمة الفضول ونعمة التعلم ونعمة الحوار ونعمة اختيار الوقت المناسب ونعمة الصبر على تفهيمهما ونعمة الحرص على تربيتهما ونعمة التربية باللين ونعمة قلبهما الطيب ونعمة وجودهما. فالحمد لله على فراس وفيروز وشكراً لهما.