كانت من أشد التساؤلات التي تشغل بالي ”لماذا تُنسب الفضائح للناس عموما بأسمائهم وللمسلمين بإسلامهم!“. فلو أجرم شاب مكسيكي سيقولون في الأخبار الفاعل إسمه ”خوسيه“ ولو أجرم شاب إسمه ”حمزة“ سيقولون في الأخبار الفاعل مسلم. كان الأمر محيرا ولكن ليس للدرجة الكبيرة. ففكرة تآمر الديانات على الإسلام. واستيقاظ الناس من نومهم في كل صباح قبل الذهاب للعمل يفكرون في كيفية التخلص من المسلمين والقضاء عليهم، كانتا فكرتان مقنعتان إلى حد الحد من حيرتي بشأن هذا السؤال.
مرت الأيام متعايشا مع السؤال والإجابة منسجمين معا ومتلائمين جدا… حتى أيام ما قبل سفري للدراسة. كان كل من يلتقي بي يذكرني بواجباتي الدينية، وصورة الدين المنعكسة في تعاملاتي. حملوني بنصائح على شاكلة كيف أتفنن لأقنع الأخرين أننا رائعون جدا على عكس ما يسمعون عنا. ونصائح من فئة جدد نيتك واجعل سفرك من أجل الدين بدلا من دراسة اللغة الصينية، لا أدري ماهية العلاقة بينهما ولكن هذا هو المطلوب مني.
ذهبت إلى بكين وقتها محملا بهويتي الإسلامية أكثر من هويتي الشخصية. كنت إنسانا طبيعيا منطقيا جدا، أصيب وأخطئ وأنجذب وأنبهر وتظهر حداثتي وأُصدم ثقافيا وتفضحني تصرفاتي. ولكنني كنت أستغل كل موقف لأبدء نقاشا عن هويتي الإسلامية حتى ولو كان الموقف ليس له علاقة بتاتاً بالأديان، تعاملت مع شعوب من أقصى الأرض إلى أقصاها، كونت صداقات ونقاشات من جزر ميكرونيزيا حتى ألاسكا. واكتشفت أمرا محبطا للغاية… نحن لا نشغل بالهم إطالقا. علاقتهم بنا ونظرتهم إلينا كعلاقتنا بشخص بوذي أو هندوسي، نحن لا نستيقظ في كل صباح نفكر كيف نتآمر ضد الهندوس أو السيخيين، وكذلك هم. الأمر أبسط من تعقيداتنا بكثير. ولم يكن الأخرون ليفعلوا مثلي. لم يحدثني أحدهم يوما عن سماحه مسيحيته ولا عن الجواهر الثلاثة لبوذيتيه، كانوا أشخاصا طبيعين جدا، لهم هويتهم الشخصية التي يستخدمها الأخرون لوصفهم من غير تصنيف، ولا داعي لمعرفة منهجهم الفكري أو العقائدي لوصفهم. أسمائهم فقط تكفيهم ليصنعوا بها صداقات، وليمارسوا علاقاتهم اليومية، وليكملوا درساتهم الجامعية.
كان فارق التصنيف بيننا واضحا حتى فكرت جيدا، ماذا لو أخفقت مرةً! ماذا لو صادف يوم، وأُصبت أنا وصديقي المكسيسي بمرض نفسي فهاجمنا أصدقائنا في الدراسة! سيقولون فعلها شاب إسمه خوسيه وصديقه المسلم. ولن يقولوا فعلها شاب إسمه أحمد وصديقه المسيحي. هويتي الإسلامية ستلاحقني وقتها، أما هو فسيكون إسمه كافيا جدا لوصفه. فالأمر ليس له علاقة بتآمرهم علينا. نحن نحب أن نوصف بديننا أكثر من أوطاننا وعائلاتنا وأسمائنا.
ولكن، لا زلت في شك تجاه هذا الأمر، فما تشكل في سنوات لن يُهدم في اللحظات التي أتخيل فيها نفسي مريضا نفسيا أقوم بجريمة مع صديق مكسيكي.
انتظرت عامين بعد فكرتي المتمردة تلك. حتى كنت واقفا في ليلةٍ على حوض الغسيل المشترك, أغسل أسناني في الطابق الثاني من المبنى الكئيب في جامعة الدراسات الأجنبية، وبجانبي صديقي المغربي المثقف حسن. سألته والفرشاة بين أسناني وكلماتي ليست واضحة، كأن سؤالي بديهي ومفهوم حتى وإن كنت أتلعثم. يا حسن… لماذا تُنسب الفضائح للناس عموما بأسمائهم وللمسلمين بإسلامهم! وكان ذكيا كما عرفته حتى فهم السؤال في لحظته وأجابه قبل أن أوضح له ما أقصد. قائلا، لأن المسلم المجرم حتى وإن لم يكن ينتمي للإسلام حقيقة. ولكنه ينادي لا إله إلا الله أثناء جريمته ولكننا لم نسمع كثيرا عن أشخاص في العصر الحديث قاموا بجريمة قتل وهم يقولون إن الله ثالث ثلاثة. هو يفعلها لأنه حاقد على شخص أو دين، لأنه عنصري أو لأنه مريض نفسي. الأمر ليس له علاقة بمؤامرة، حتى هم عندما فعلوا ذلك من قبل. كانت الجرائم تنسب إلى دينهم وإلى الكنيسة وليس إلى أسمائهم. وإننا في الأصل نحب التصنيف الديني. فلو أحرز لاعب هدفاً في كأس العالم سيقولون اللاعب الأرجنتيني أو البرازيلي وليس اللاعب المسيحي أو اليهودي. أما لو صعد رجل مصري أو مغربي للفضاء، سنحتفل بأول مسلم يصعد للفضاء. ولو فاز رجل إسمه ”محمود“ بميدالية أوليميبية سنقول اللاعب المسلم الذي فاز بالمركز الأول. نحن نحب هذا التصنيف، ونحن فرضناه…
شكرا حسن.