كانت تجلس في الكرسي الخلفي من السيارة، في فمها “مصاصة حمراء” وتقول لي يا أبي، هل تعرف ما هي مشكلتي في الحياة! فابتسمت لها وأنا أقول في نفسي، وماذا عرفتي عن الحياة يا فيروز في الخمس سنوات التي عشتيها حتى تدركين بعض مشاكلها. لكنها فاجئتني بحكمتها الاستثنائية وهي تقول “مشكلتي أنني لم أكن موجودة عندما وضح المسؤولون القوانين في هذا البلد، فأنا لا أعرف كل الأخطاء والمخالفات، وبالتالي من الممكن أن أرتكب مخالفة قانونية ولا أعرف أني مخطئة.
نعم، فإن فيروز رغم صغر سنها لكن لديها من المصطلحات ما يمكنها من التحدث في أي شيء يخطر ببالها ومن فهم كل شيء أتحدث عنه، أو هكذا كنت أعتقد أنا حتى سمعَت فيروز كلمة “بكرهك” لأول مرة، فوقفت تحاول فهم الكلمة للحظات ثم سألت أمها “ماما، يعني إيه بكرهك” نظرت إليَّ سارَّة متعجبة وهي تقول، هل تتخيل أن هذه الكلمة لم تمر على فيروز في حياتها من قبل، لم تسمعها في بيتنا ولا في بيوت أهلنا في أي وقت فالحمد لله على نعمة الحب.
كنا نتناول الغداء ونتناقش أنا وسارَّة في أمر يهمني وتحمست قليلاً في الحديث، فقال فراس مازحاً “إيه يا جدعان انتو بتتخانقوا ولا إيه!” قاطعته فيروز وهي تقول “يتخانقوا ازاي يعني! لا طبعاً يا فراس دول محترمين ميعملوش في بعض كدة”
بالأمس انتهيت من عملي وجلست اتحدث مع سارَّة، كنا نتكلم عن النجاح والفشل. فأوقفتنا فيروز عن الحديث وقالت لنا، ما معنى كلمة “فشل” سكت أنا وسارةَّ ونحن نتبادل الإبتسامات في صمت وكأننا نفتخر معاً أن طفلتنا الصغيرة تعرف القوانين، تعرف أنواع الثعابين والحشرات، تعرف المواد التي تخرج من البراكين، تعرف أسماء الكواكب والدول والعواصم، تتابع الأرقام القياسية في موسوعة جينيس لأنها تخطط لكسر أحد هذه الأرقام، وتساعدني في التفرقة بين أنواع الزهور المزروعة في شرفة المنزل لأنني لا استطيع التميز بينهم، وتعرف أسماء القطع المستخدمة في السيارات، وتدرك كل الأحاديث التي أتحدث فيها أنها وأمها لكن لم يصادف يوماً أنها تعلمت شيئاً عن الكره والغضب والفشل، حتى أنها لم تدرك معنى هذه الكلمات عند سماعها، فالحمد لله على نعمه، والحمد لله على أحلامنا الفيروزية الصغيرة التي تتحقق كل يوم.