في الوقت الذي كنت أُعلِّم فيه فيروز صاحبة العامين ونصف أشياء مثل الإنفاق وغض الصوت والطرف واحترام حقوق الملكية وشراء الأفلام والألعاب وعدم سرقتها من مواقع التحميل المجاني وألا تبخس الناس أشيائهم، كنت أعلم فراس صاحب الخمس سنوات ونصف كيف يشعر بالسعادة. فكنا قد مررنا بمشكلة أسرية -لا داعي لذكرها في كتاب يتحدث في الأصل عن السعادة- تسببت بتغيرات في شخصية فراس عن الذي كنت أخطط له، وكانت المشكلة الأهم التي أحاول علاجها في شخصيته هي ”كيف يشعر بالفرحة“. على عكس فيروز التي تجاوزنا معها هذه المرحلة وكانت على دراية كافية بالذي يسعدها وكيف يسعدها وكيف ترى في الأشياء ما يجملها.
لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق مع طفل لا يسعده شيء خلال اليوم. ألعابه الفردية تنتهي بالبكاء أنه ليس لديه قدرات كافية. ألعابه الجماعية تنتهي بالبكاء لأنه لم يستطع الفوز بسهولة. النصائح الأبوية تشعره أنه ضعيف، التقليل من النصائح يشعره أنه مهمل. الجلسات العائلية تنتهي بالتوتر. فقررت الإستثمار في هذا الجانب. استثمرت مجمل تركيزي وطاقتي ووقتي وأفكاري وأموالي والحيل التي كونتها في حياتي لأعيد فراس إلى مسار أسرتنا التي خططنا له، وهو أن السعادة أمرٌ ليس بالمعقد، ولكن يتم صناعتها في منزلنا مثلما يصنع شكلاً من قطع الليجو.
كان لدي مقياس أتحسس به في كل يوم أين وصلت في مشوار تحويل فراس إلى طفل يشعر بالسعادة ليدور في المدار الطبيعي للأسرة. وكنت دائماً أشعر أنني لم أصل بعد. لكن لا داعي للقلق، فالمقياس يخبرني أنه يتقدم وأنه أصبح يتفهم الأمر وأنني على الطريق. حتى كنا نستعد في أحد أيام كأس العالم لمشاهدة مباراة كرة القدم بين الأرجنتين وفرنسا، جهزنا الغرفة وجلسنا على الأريكة نشاهد بداية المباراة والمقياس لا يفارقني أبداً، أنتظر كلمة من فراس في أي لحظة يخبرني بها أين وصلنا وهل أصبح أكثر إدراكاً للسعادة، حتى قال لي بنبرته الطفولية المنظمة الرائعة ”ما رأيك! نشجع الأرجنتين، لكن لو شعرنا أن فرنسا ستربح المباراة، نشجع فرنسا لنفرح في النهاية ويصبح يوماً رائعاً“ ارتعش قلبي فرحاً وضحكاً وقلت في نفسي ها نحن قد وصلنا، الآن فراس يتكلم كرجل يمتهن مهنة صناعة السعادة، يجلس على أريكته وأمامه تلفازٌ يؤنسه أثناء عمله، ويحيك السعادة لنفسه بخيط متين وإتقان شديد. ولأنه شديد التفنن والذكاء فقد تحايل ليُشعر نفسه بالسعادة أياً كانت النهاية. ورغم بساطة الموقف وطفوليته الشديدة لكنه أخبرني أننا قد وصلنا، والآن يدور فراس على مدار أسرتنا، نستطيع أن تجاوز الأمر إلى ما بعده، ولنتعلم أشياء أخرى بعدما تعلم طريقة صناعة السعادة في المنزل.
في الأوقات التي كنت أمارس فيها خطة تعليم فنون السعادة مع فراس، كنت أمارسها بشكل شخصي بيني وبينه قائم على التجربة والحوار والإقناع وإظهار الجانب الذي أظن أنه صائب من فلسفتي في السعادة له، ولم أكن أقوم به بشكل تربوي علمي ولم أكن أخطط إطلاقاً أن تتجاوز التجربة حدود أسرتنا. لكن اليوم الذي فازت فيه فرنسا وفرح فراس رغم أنه كان يشجع الأرجنتين، وهو أمر كان ينتهي عادةً بالتوتر والبكاء، جعلني أشعر بقيمة ما قدمته له في ستة أشهر، وفكرت بعدها أن التجربة من الممكن أن تعيد نجاحها خارج الأسرة. لذلك سأقدم في الأسابيع القادمة مجموعة من المقالات والحوارات لنقل التجربة التي تعلم فراس من خلالها مهنة السعادة.
قراءة المقال التالي في السلسلة: زيادة عدد السعداء وتقليل عدد المهمومين.