في ليلةٍ شتويةٍ طويلة كان مشروعي الأول قد أقبل على الفشل ولم يعد يوفر العائد المنتظر الذي تنتظم به حياتي وعاداتي. وكنت قد تأخرت لشهرين عن دفع إيجار البيت وكاد رصيدي من استحقاق الصبر أن ينتهي عند المالك. ولا بد من توفير ثمنمائة جنيه على الأقل قبل الصباح ولم يكن في المنزل سوى خمسون جنيهاً فقط لا تكفي إطلاقاً لإخراجي من الأزمة ولا لإسقاط الحرج عني أمام صاحب البيت.
استغرقت ساعاتٍ من الليل أفكر في الأمر حتى ضاقت تماماً ورأيت أن الخمسين جنيهاً قد فشلت في إسعادي وتأكدت أنها قد فقدت قيمتها ولم تعد تعمل. فارتديت ملابسي وحذائي سريعاً ونزلت إلى الشارع أبحث عن أحد المهمومين مثلي حتى رأيت امرأةً تبحث عن طعامٍ في صندوق المخلفات، فأسرعت إليها وأعطيتها الخمسين جنيهاً الأخيرة في بيتي. نظرت تلك السيدة المهمومة المنحنية إليها ولم تتمالك نفسها بعدها، كانت تجاعيد وجهها ترقص من شدة الفرح وكأن الورقة معدومة القيمة في بيتي قد استعادت قيمتها عندها. لم أطل النظر إلى السيدة وعدت إلى بيتي وقد تخلصت من كل ثروتي ولا داعي لذكر ما حدث بعد ذلك مع صاحب المنزل. لكن المهم في الأمر أنني قد احتلت على الخمسين جنيهاً وجعلتها تعمل من جديد، وأن المهمومين في العالم قد نقصوا واحداً في ذلك اليوم. حتى أنا لم أعد مهموماً كما كنت بمجرد تخيل فكرة أننا كنا اثنان في ضائقة ثم أصبحنا واحداً فقط. فرغم أنني لا أعرف تلك السيدة إلا أن التفكير بهذه الطريقة كان كافياً لجعل يومي أفضل.
لم أكن أخطط أن أحكي هذه القصة يوماً لأحد، لكن كنت بحاجةٍ لتوضيح فكرة السعادة التي أعمل بها منذ سنوات لتكن هذه القصة هي الرابط الأساسي لكل المقالات القادمة التي سيتم نشرها بعد ذلك في سلسلة صناعة السعادة في المنزل. فدعنا نتفق أن مفهوم السعادة الذي أتكلم عنه والذي أعلمه لأبنائي هو ليس بالأمر الأناني على الإطلاق، وإنما مقياس السعادة الرئيسي عندنا هو زيادة عدد السعداء أو تقليل عدد المهمومين. وبالتأكيد سعادتنا الشخصية لها أهمية بالغة شرط ألا تكون قد بنيت على هموم الأخرين أو تجاهل سعادتهم وألا تكون سبباً في تقليل السعداء في العالم أو زيادة المهمومين فيه.
كان من الواجب البداية بهذا المقال بالتحديد حتى لا يتم الخلط بين متناقضين، والوزن بين الإصرار على صناعة السعادة وشهوة استغلال الأخرين للتسلق على همومهم وضعفهم لتحقيق سعادتنا وانجازاتنا الشخصية.