حتى وإن كنت تخبر نفسك في كل خطوة أنَّ لا شيء مستحيل وتُحدٍّث الناس بذلك في كل يوم، لكن العمر وحده يستطيع أن يقطع حديثك ويأمرك أن تنتظر لحظة ليخبرك بنبرته الهادئة المرتعشة أن المستحيل موجود في مكان ما وإن تعمدت عدم رؤيته. وأنَّ كل يومٍ يمر يضيف العمر لك مستحيلاً ما. فأنا وإن كنت كثير التجرؤ على الأحلام، إلا أنني لم يعد بإمكاني مثلاً أن أكون الطالب الأول في المرحلة الإبتدائية ولا أصغر مليونير عربي ولا الطفل الذي تعلم البرمجة قبل أن يتم ١٠ سنوات ولا لاعب الكرة الذي سيعيد وطنه إلى كأس العالم بعد غياب ثمانية وعشرين عام. كلها أمور كانت أكثر واقعية من البليون دولار التي أحلم بربحها. إلا أنها تعلقت بالوقت والأعمار، فأصبحت مستحيلات مع مرور العمر.
أعمارنا تقاطعنا وتفرض علينا مستحيلات متراكمة. كما أنها تزيدنا إرهاقاً وعجزاً، ومن أشد ما يرهق أننا لا نعرف أين نحن من أعمارنا. أنا فقط أعرف أنني قد ولدت منذ تسعة وعشرين عام. لكن هذا لا يكفي لأعرف إن كنت في مقتبل العمر أم منتصفه أم بقرابة أخره. ولا يكفي لأعرف إن كان هناك متسعٌ للمستحيلات التي أريد تحقيقها أم أنَّ ما تم تحقيقه إلى الآن هو الذي سيحكي عنه الناس في الجلسات العائلية وبين الأصدقاء.
ولأن تلك الفكرة المرهقة قد تزيد الاكتئاب إلى حدٍ كبير، وأنا لا أحب الإكتئاب كما تعرفون، قد قررت التحايل عليها واستغلال ما ينفعني من مراحل العمر الثلاثة لعلني في أحدهم اليوم. فأنا بالفعل في مقتبل العمر ودائما هناك مستع لشيء ما عظيم، سأتخيل وأحلم وأتمنى في كل يوم. لكنني في منتصف العمر أيضاً وكل يومٍ يمر من غير تحقيق أمرٍ عظيم أو مستحيلٍ ما، يقربني من نهاية باهتة محبطة، فلا وقت كافي لأهدره، سأنام متأخرا في الليل أو الصباح وسأستيقظ قبل الأخرين. ولأنني من المحتمل جداً أن أكون قد إقتربت من نهاية العمر، فلا داعي لأشقَّ على نفسي أكثر، سأستمتع بما تم تحقيقه إلى الآن، سأقضي وقتاً أكثر مع الذين أحبهم والذين كانوا سبباً في وصولي إلى هنا، لنصنع معاً ذكرياتنا الرائعة، لننفق الأموال التي جمعتها على أنفسنا والأخرين، ونذهب في رحلاتنا الترفيهية التي حلمنا بها ولنأخذ الصور العائلية بضحكاتٍ رائعة من غير تفكير في متاعب الحياه.