بعد الوصول لمطار بكين، وبعد اجتياز البوابات والخروج إلى المدينة الحقيقية. ستصطدم في يومك الأول هناك بشيئين مؤكدين. رائحة بكين الغير إعتيادية، وطفل يرتدي بنطالاً مشقوقاً من منتصفه ولا يرتدي شيئاً تحته فيظهر جسده لأنه لا يرتدي حفاضات أيضاً. ربما ستقابل هذا الطفل يسير في الشارع إلى جوار جده، أو جالساً في عربة المترو أو على كتف أمه في مطعم. وستنزعج من شكله خاصةً إن كان الجو بارداً. وأنت لا تدرك في البداية أن هذا الطفل بالبنطال المشقوق الذي تسخر منه هو الطفل المقدس هناك، وستدرك هذا بعد مرور أيام.
الطفل في بكين له شأنٌ مختلفٌ عن سائر المدن التي قمت بزيارتها، وكأن المدينة قد تم تأسيسها لأطفالها أولاً ثم تم السماح للكبار بالعيش معهم. الأطفال هناك لا يتم إرهاقهم بالحفاضات ولا تقييد تحركاتهم بها، وعلى أهل المدينة وزوارها تحمل الطفل يفعل فعلته في أي وقت وأي مكان حتى ولو على كرسي المترو الذي ستجلس عليه بعد قليل. للأطفال الأولوية في كل مكان. المرأة الحامل تمر أولاً في أي طابور إن كانت تحمل طفلها في بطنها أو على كتفها أو تسحبه من يده. فالأولوية لها لمجرد وجود طفل في المشهد، ويتم تقديمها أولاً للدخول للمصعد ويتم تسهيل طريقها للسلالم الكهربائية. وعند ركوبك عربة المترو وفي يدك طفل يتم تذكير الركاب بإحترام الأطفال في مكبرات الصوت. ويبدأ الركاب الجالسون حتى المسنون في التهافت على الوقوف لتجلس أنت وطفلك. أتذكر عدة مرات قام أناسٌ كبار في السن ليسمحوا لي ولزوجتي بالجلوس. وعندما كنت أقول لهم أنا فقط الذي أحمل الأطفال فلا داعي لوقوف أربع أشخاص من أجلنا، كانوا يصرون على موقفهم. وكأن كل من يملك طفل قد فرضت عليه الراحة حتى وإن لم يكن يحمله.
في بكين ساحات لعب الأطفال منتشرة في الشوارع ومفتوحة للعامة، منتشرة في الجامعات وعلى الأرصفة وفي أماكن تسوق الكبار. فكل الأطفال هناك مقدسون، والطفل المقدس يلعب في كل مكان وبأي تكلفة، الطفل المقدس يلعب حتى يكتفي وأهله واقفون في انتظاره. الطفل المقدس يلعب حتى تتسخ ملابسه ولا يتم تحذيره أن هذه الملابس جديدة أو غالية. الطفل المقدس يسأل، يكسر، يتطفل، يزعج، ويحرج أهله أمام الناس ولا عيب في ذلك.
قد رأيت ألاف المواقف بين أهل بكين والطفل المقدس وحدث معي بعضها، فلا أستطيع أن أنسى صدى صوت تلك السيدة التي تعمل في أمن المطار وكنا نسافر في وقت مزدحم فكانت تحمل جهاز الإتصال وتشير إلينا وتبلغ رجل الأمن بعدها. هذه الأسرة من أربع أفراد، مرروهم من طابور الدرجة الأولى فالأب يحمل طفلة نائمة، فالأب يحمل طفلة نائمة، فالأب يحمل طفلة نائمة. وقد نشرت سابقاً فيديو لنا في بكين ونحن نتجاوز بوابات المترو وفي يد فراس بالوناً منفوخاً ونحن لا نعلم أن دخول البالون لعربة المترو ممنوع، فقامت سيدة الأمن بأخذ البالون المنفوخ ثم عطلتنا أكثر من عشر دقائق لا تسمح لنا بالمرور حتى تبحث عن بالوناً غيره فارغاً من الهواء لتعطيه لفراس. وعندما أخبرتها أن الأمر بسيط ولا داعي للانتظار، لم تسمح لنا، فقلب فراس ليس عرضة للكسر من أجل تطبيق القانون. الأطفال ليسوا جزئاً بعد من تلك القوانين التي نفرضها، في الحقيقة الأطفال ليسوا جزئاً من شيء بعد، ليسوا جزئاً من عاداتنا ولا مشاكلنا النفسية ولا أمراضنا العصبية ولا تاريخنا ولا حبنا للأشياء ولا حرصنا على الأموال ولا إنشغالنا في زحام الحياة. الأطفال جزءٌ من طفولتهم فقط وهم معنا لعيشيوا أطفالاً وحسب، الأطفال مقدسون فعاملوا قلوبهم ومشاعرهم ورغباتهم وأجسادهم بقدسية ولا تمسوها بسوء.