قمت في الليل بنشر أحد الصور مع زوجتي وفراس وفيروز كما أفعل دائما عدة مرات خلال اليوم، ثم أكملت عملي حتى الصباح وتوقفت مضطرا لأستعد لموعد المدرسة.
قامت زوجتي بينما أستعد، تذكرني بصيانة مصباح الحمام الرئيسي فهي تخشى أن ينزلق أحد أبنائنا أثناء استخدام الحمام في الظلام. فقلت من الأسهل إستخدام حمام الضيوف، فقوتي بالكاد تكفيني للنجاة ليوم واحد فقط ثم سلمت وخرجت معرضاً نفسي لبعض مهدرات القوة والروح.
خرجت وفراس للمدرسة لنبدأ يوماً من أيام النجاه وقد ركبنا في مصعد منزلنا الذي يصدر صوت تفكيك عند الحركة وقد تم نزع ورقة الصيانة منه لإخفاء أخر موعد تمت فيه صيانته.
ركب فراس السيارة إلى جانبي مباشرةً، لا أعني أنه جلس على الكرسي المجاور المخصص لزوجتي، ولكنه جلس على مسند اليد اليمنى بين الكرسيين، مصمماً أن يضع يده على كتفي أثناء القيادة كما تعود. ولأننا كنا متأخرين ولأنني تعلمت أن هذا النقاش لا يثمر أبداً. فلم أهدر وقتاً طويلا في إقناعة بخطورة هذا الأمر وأنه من الممكن أن يعرضنا لحادث.
أكملنا مشوارنا المعتاد في الطريق السريع المؤدي إلى المدرسة والذي تتم صيانته بعشوائية بسببها يتعرض حوالي العشر سيارات يومياً لحوادث أشهادها في طريق الذهاب والعودة فأدعو لهم أن تكون قد مرت بسلام وأحمد الله أنني مررت بسلام بصحبة فراس. وقد كان من المحتمل أن نكون نحن الواقفين على جانب الطريق ننتظر المساعدة.
أكملت طريقي وقد تأكدت أننا سنتأخر عن موعد المدرسة، فسيارة النقل التي تسير أمامنا محملة بصخور حتى أعلاها وتبدو الصخور على وشك السقوط على الطريق أو على السيارات كما يحدث في كل يوم. ومن شدة الملل وأنا أسير خلفها ببطء، أخرجت هاتفي لأتابع ما الجديد، فكنت منشغلاً بالتعليقات على صورتي مع فراس وفيروز أكثر من انشغالي بالطريق ولم أنتبه لذلك إلا عندما مرّ بجانبي صاحب السيارة الهوندا الصفراء الهاتش باك بسرعة مجنونة وهو يستخدم ألة التنبيه بشدة ويطيح بيده من الشباك منزعجاً لأنني كنت أنحرف ناحية اليمين. انتبهت وقتها للطريق ورسمت صورةً لما سيقابلني لعدة كيلو مترات ثم عدت أنظر لهاتفي مرة أخرى أثناء القيادة.
ورغم احتمالات الخطر المؤدية للوفاة التي مررنا بها قد وصلنا للمدرسة مثل كل يوم، ثم بعد عدة ساعات ذهبت مرة أخرى لأعيده إلى المنزل، وكنت وقتها قد أكملت يومين من غير نومٍ وأشبه برجلٍ يقود السيارة بصحبه طفله وهو تحت تأثير الكحول. كان الطريق المعاكس من المدرسة إلى المنزل هادئاً تماماً، ليس لأنه يخلُ من الخطر بل لأنني لم أكن منتبهاً لشيءٍ من شدة السهر.
عندما وصلنا إلى المنزل احتضن فراس أخته بشدة رغم إصابتها بالجدري المائي المعدي وبسببه ارتفعت درجة حرارتها جدا وقد منعها الطبيب من الحركة لثلاثة أيام ورغم ذلك فإنها لا تقاوم الملل وتجبرنا على السماح لها باللعب في الحديقة أمام البيت رغم شدة تعبها، وقد زاد التعب أكثر عندما اشتبكت قدمها في حفرة مخفية بالحديقة وسقطت بشدة على وجهها.
مر اليوم وقد نجونا من كل خطر ٍمحتملٍ كان يصاحبنا وكان من الممكن أن ينهي حياة أحدنا، لكنه الله وحده لم يرد هذا في ذلك اليوم وقد نام أبنائي في سريرهم وهم بخير.
خرجت أنا إلى شرفة البيت أسترخي في الهواء على الكرسي الهزاز وأتابع التعليقات المبهجة على صورتي مع فراس وفيرور، وأفكر ماذا لو قدر الله لأحدنا ألا ينجو في هذا اليوم كما يمكن أن يقدر في أي يوم أخر، ماذا لو كنا نحن في حادث السير في الصباح بسبب عشوائية الصيانة، أو سقطت على رأسنا صخرة من سيارة النقل بسبب السائق المستهتر، أو رحتُ في النوم في طريق العودة من المدرسة بسبب السهر الزائد. أو أنزلق أحد أبنائي في الحمام الرئيسي المظلم بسببي وهو يستعد للنوم.
تخيلت لو قدر الله ومت أنا الآن بسبب الإرهاق أو بسبب ضغط دمٍ مرتفعٍ كما يمكن أن يحدث في ختام كل يوم، كم سيستخدم الناس صورتي المبهجة مع أبنائي كعبرة للأخرين وإثبات أنني قد مت بسبب نظرات الحاسدين. ورغم أن الطب الشرعي لن يحدد أن سبب الوفاة في المساء هو الصورة التي رفعتها في منتصف الليل، إلا أننا بالتأكيد سنصبح أكثر شهرة على شبكات التواصل وسيتهمني الناس أنني كنت سبباً في قدر الله لأنني أظهرت للناس أننا سعداء. سأصبح أباً مستهتراً أمام الناس. لا لأنني سمحت لفراس أن يجلس بجانبي أثناء القيادة، ولا لأنني كنت أقود السيارة بعد سهر طويل، ولا لأنني كنت أنظر في الهاتف أثناء القيادة في طريق سريع أبحث عن قطعة موسيقية للثلاثي جبران تشاركني في رحلة النجاة. لكن لأنني قد نشرت صورتنا كمان كنت أفعل في كل يوم منذ ستة أعوام. سيخبرون زوجتي وقتها أنني السبب وسيصبح الحدث أكتر ألماً على قلبها.
وماذا لو كنت مت قبل أن أنتظر المساء. سيتجاهلون سيارة النقل المحملة حتى أعلاها، ويتجاهلون سائق السيارة الهوندا الصفراء الذي كان يقود بسرعةٍ جنونيةٍ في الصباح، سيتجاهلون أيضاً الرجل الذي يزوِّر في موعد صيانة المصعد. ويتهموا الذين أعجبوا بصورتنا في الليلة السابقة ليشعروهم بالذنب.
تأملت يومي في النهاية ورأيته مثل أي يوم سبقه وأي يوم سيعقبه، ليس إلا عدة ساعات أحاول فيهن النجاة مع الذين أحبهم حتى المساء. ولم تكن النجاة قريبةً لكن الله قدرها لنا. كما سيأتي يومٌ ولن يقدرها. ففضلاً لا ترهقوا أهلي وقتها أنني كنت سبباً، ولا تتهموا أحد الذين أعجبوا بأسرتي يوماً لتشعروهم باللوم. فإننا في كل يوم طبيعي نقاوم سبعين سبباً محتملاً للوفاة وسينفذ أحدهم يوماً ما.