فتحت الباب وفي يدي جهاز التحكم في الألعاب — عمو، ما هذا! هكذا سلَّم علينا الصبي ولم ينظر إلى صديقه المدرسي فراس الواقف خلفي. ناولته الجهاز ليمسكه في يده وأخبرته ما هو هذا الشيء، تفضل بالدخول يا صبي. لا زال ينظر في كل مكانٍ حوله ويسأل — عمو! ما هذه القطعة السوداء الصغيرة؟ هذه كاميرا صغيرة نقوم بتثبيتها أحياناً لتصوير بعض الأحداث التي تدور بيننا في المنزل. — عمو! لماذا لديك شاشتين هناك! لماذا لا يوجد لديكم مائدة طعام؟ عمو! كم عمرك؟ هل تعطي فراس مصروف أثناء ذهابه إلى المدرسة؟ قضيت مع فراس وصديقه ساعتين لم يفعل فيهما شيئاً إلا أنه يقول عمو! ماذا عن كذا وكذا ولم أشعر أبداً بالإنزعاج أو بالملل حين كنت أجيبه في كل مرة عن كذا وكذا حتى إنصرف.
اليوم التالي زارنا الصبي بعد موعد المدرسة مباشرةً. تفضل يا صبي لتشاركنا الطعام، هل تناولت غدائك؟ — لا أريد أن آكل الآن، ولكن ياعمو! ماذا عن… يا الله! يبدو أن الصبي يشتاق للأسئلة فعلاً أكثر مما يشتاق للطعام هو في حاجةٍ للإجابات أكثر مما يحتاج للبازلاء تماماً كما كنت أخبر صديقي قبل أسبوعين.
أسبوعين تقريباً قبل زيارة الصبي لنا، كنت جالساً مع صديقي يسألني كيف أتعامل حين أنزعج من أسئلة الأطفال، هو يشتكي أنه يفقد تركيزه في العمل بسبب إبنته كثيرة الأسئلة والتي تريد أن تعرف كل شيء، هي ترهقه ببعض الأسئلة التي لا يروق له إجابتها الآن وبعض الأسئلة التي لا يستطيع في الأصل إجابتها. قلت له يا صاحبي أنا رجلٌ لا ينزعج إطلاقاً من أسئلة الأطفال، يا صاحبي يحتاج الطفل لكي ينمو جيداً عدة عناصر أساسية، البروتين، الكالسيوم، الفضول. الفضول يا صديقي الذي نسميه عند الكبار تطفلاً لأن الكبير إذا قام به بات يشبه الأطفال، أما الأطفال إذا قاموا به فهو يساعدهم على النمو، هو فضولٌ لأنه يجعل صحتهم أفضل مثل كوب الحليب في الصباح أو وجبة السبانخ التي نجبرهم على أكلها.
الفضول يا صديقي لا ينمو به الأطفال وحدهم، الفضول ينمو به الكون فعلياً، الفضول أهم من النفط في عالمنا السابق وعالمنا الحالي وعالمنا القادم. لولا الفضول لكنا نظن أن الأرض قارةٌ واحدة، لولا الفضول لكنا نظن أن العالم كوكبٌ واحد. يا صديقي، لو امتنعت إبنتك يوماً عن أكل السبانخ فليس من حقك أن تتحايل عليها لتأكلها، لو امتنعت إبنتك عن شرب الحليب، فعليك أن تجد لها بديلاً للكالسيوم ليعوضها دون أن تجبرها، أما لو توقفت إبنتك يوماً عن إزعاجك بالأسئلة، فعليك أن تترك عملك وكل شأنك وأن تتحايل عليها لتثير بداخلها فضولها وأسئلتها المزعجة مرةً أخرى، لا تجبر إبنتك أبداً على أكل البازلاء والبروكلي، لكن تحدث معها كثيراً، إستمع لأسئلتها دائماً، علِّم إبنتك أن الفضول هو من رسم لنا خريطة الأرض الزرقاء وحدد عليها تفاصيلها، الفضول هو من جعلك قادراً على التواصل معي قبل أربعين دقيقة ثم أنت تجلس معي الآن تتحدث معي، علِّمها أن الفضول قد وضع المسبار روزيتا على المُذنَّب، وأن الفضول هو من جعل العربة كيوريوسيتي تتجول على المريخ، حتى أن العربة نفسها قد سُميت على إسمه، علمها أن الفضول سيمنحها يوماً الفرصة للذهاب للمريخ في رحلة ترفيهية أو تجارية أو رحلة علاج فلا تحرمها ولا تحرمنا من فضولها، لعل فضولها هو من يضعنا هناك يوماً ما.