في طابور الدفع في أحد المحلات، وقف أمامنا شاب وزوجته، وبعد أن قام الزوج بدفع ثمن المشتريات أخرجت الزوجة بطاقة النقاط وطلبت من الموظف إضافة المشتريات ليحصلوا على بعض التخفيضات المستقبلية، فاعتذر لها الموظف وقال كان يجب أن تخبريني قبل الدفع. بدا الأمر طبيعياً جداً، زوجةٌ سهت ولم تخرج بطاقة التخفيضات قبل الدفع وستتعلم في المرة القادمة أو التي تليها أو التي تليها وسيحصلون على التخفيض في موقف آخر. لكن الزوج قرر ألا يكون بسيطاً وأن يفسد الليلة، نظر لزوجته نظرة غضب محرجة وحدثها بطريقةٍ ملفتة لكل من حوله لأنها فوتت عليه فرصة أن يحصل على تخفيض في المرة القادمة بثمن علبة صلصة أو صابونة غسيل.
في الحقيقة الإحراج والانكسار الذي بدا على وجه الفتاة كان يدفعني للتدخل، لكنها حياتهم الخاصة وأنا لا أريد التدخل في خصوصية زوجين لا أعرفهم ولا يعرفاني قد تقابلنا صدفة في ممر الدفع. فذهبا ووقفت سارحاً في نظرة الانكسار تلك وقد راودني شعور أنني لن أنساها أبداً، وبدأت أقول لعقلي تدخل من فضلك، سأبات الليلة نادماً على عدم التدخل وسيظل إنكسراها يلاحقني إلى الأبد، سينضم وجه هذه الفتاة إلى قائمة الوجوه المنكسرة التي تلاحقني وقد بدأت أتذركهم جميعاً، تذكر الرجل المسن الذي أراد أن يشتري الشكولاته لأنه شعر بالإرهاق ولكنه صُدم من الأسعار الجديدة وكان يعد الجنيهات ثم اختار أصغرهم وأرخصهم وقد قررت ألا أساعده منعاً لإحراجه، الأم البسيطة جداً التي دخلت محل الملابس مع إبنها لتشتري ملابس رياضية لكنها خرجت تعتذر له أنها لن تستطيع أن تشتريها هذا الشهر وقررت ألا أساعدها أيضاً احتراماً لخصوصيتهما. لكنني الآن على إستعداد أن أشتري ألف قالب من الشكولاتة وألف طقم رياضي على أن أنسى نظراتهم التي تلاحقني وتبكيني أحياناً. أنا لا أتحمل موقف آخر يؤرقني ولا أطيق موقف إنكسار آخر لا أتدخل فيه لأجل الخصوصية ثم يلاحقني بعد ذلك إلى الأبد، فقلت في نفسي سأتدخل ولتذهب الخصوصية إلى حيث تذهب. أخبرت موظف الدفع أن ينتظرني دقيقة وعطلت الصف قليلاً وذهبت خلف الرجل وقلت له أعطني البطاقة من فضلك لقد قاموا بحل المشكلة، ثم عدت إلى الموظف وقلت له أضف كل مشترياتي على بطاقتهم وكانت أكثر قليلاً من مشترياتهم. ثم أعدت للشاب البطاقة وقلت له قد تم حل مشكلتك وأضافوا لك نقاط التخفيض، كنت أقول له هذا وكان الانكسار وازرقاق التوتر يذهبا من وجه زوجته وبدا عليها بعض الراحة ورحلا وهما يبتسمان.
عدت إلى الموظف وسألته على كم سيحصلون، قال “تخفيض يعادل ثمانية جنيهات” قلت له ضاحكاً “يا الله! هذه أسهل الطرق لإنقاذ علاقة، لقد أنقذنا جزئاً من علاقة زوجين للتو بثمانية جنيهات فقط!” كاد هذا الزوج أن يفسد علاقته مع زوجته بثمانية جنيهات غير نقدية وكادت هذه أن تكون أسخف الأسباب لإفساد علاقة. الأذكياء يا رجل لا يفسدون علاقة لأجل المال. الأذكياء ينفقون أموالهم لإصلاح العلاقات، الأذكياء يستثمرون في العلاقات، الأذكياء يدركون أنهم يوماً ما سيرهقون ويتعبون ويمرضون ويبكون ويحزنون وسيموت أحد أقاربهم وسيحتاجون للمواساة والدعم والأحضان، ولولا العلاقات الصافية مع زوجاتهم سيكونون في لحظاتهم تلك من غير مواساة ولا قبضات مهدئة على أيديهم ولا أحضان مطمئنة، فالأذكياء يطمئنون زوجاتهم ويجنبونهن الإحباط والانكسار لأن الإحباط يقلل الأعمار ويفسد اللحظات ويقتل الأرواح، والأذكياء يرفقون ويعذرون ولا يغضبوا سريعاً. أنا لا أعرف ذاك الرجل، أنا فقط حاولت إصلاح ليلة واحدة من حياته ولا أعرف إن كان قد تعلم شيئاً في ذلك اليوم، لكنني أتمنى أن يتخلص من المراهقة سريعاً من أجل لياليهم الأخرى التي لن يوجد فيها بينهم من يصلحها لهم، أصلح الله كل أيامهم.