من حوالي عشرين سنة والدي كان معودني يشتريلي سنوياً موسوعة اسمها Encarta, الموسوعة ديه كانت زي ويكيبيديا انهاردة بالظبط بس من غير نت، بنشتريها وبتيجي على خمس سيديهات تفضل ساعة تنزلهم على الكمبيوتر. أنا فاكر أول مرة عرفت إنكارتا ديه حسيت إني اكتشفت كنز حرفياً، فاكر أول نظرة ليها، فاكر أول انطباع وأول صدمة وأول موضوع بحثت عنه، فاكر الصدمة اللي حصلتلي لما بدأت اقرأ موضوع ويسحبني على موضوع تاني وموضوع تالت ورابع لدرجة إني بدأت احس إني عندي نوع من الإدمان اسمه إدمان Encarta كنت اسمع كلمة في التلفزيون أو انزل الشارع العب واسمع كذا مصطلح جداد أسيب اللعب واطلع البيت جري أبحث عنهم في إنكاراتا واقرأ عنهم، وفي وسط القراءة تقابلني مصطلحات أكتر أكتبها على جنب وابحث عنها واحدة واحدة، وهكذا أفضل اتسحب من مقال لمقال لمقال، وبعد فترة صغيرة جداً من أول علاقة بيني وبين إنكارتا لاحظت إني فجأة ومن غير تعليم بقيت بتكلم وبكتب انجليزي كويس جداً، بقى عندي تقريباً حصيلة معلومات كافية إني اتكلم في أي موضوع وإني اتكلم مع أي شخص في أي مرحلة عمرية، وإني احدد هواياتي ورغباتي كويس، واستوعب كل المجالات اللي حواليا واخوض فيهم تجربة كافية هتساعدني احدد موقفي في كل مجال.
لما وصلت للنتيجة ديه خفت إدمان إنكارتا ده يكون إدمان مؤقت وازهق منها بعد فترة. رحت جايب كشكول مهم جداً عندي وانا صغير كنت مخصصه لاختراع لغة بأبجدية ومقاطع صوتية خاصة بيا، وكتبت على الغلاف من بره “إياك أن تسأل أحد، فقط قم بالبحث في إنكارتا” وكان السبب إني اكتب الكلمة ديه إني اكتشفت إنك لما تسأل شخص سؤال بيديك إجابات، وديه أخطر حاجة ممكن تحصل معاك. لكن لما تسأل إنكارتا سؤال بتديك مزيد التساؤلات بتطلع قدامك أسئلة أكتر وأكتر وأكتر وبدل ما تاخد إجابة وتمشي، انت بتكتشف عوالم كبيرة جداً مفيش شخص ممكن يساعدك تكتشفها لو سألته.
بعد سنين من علاقتي الجميلة بإنكارتا ميكروسوفت قررت توقف إصدارها بشكل نهائي ولحسن حظي ولحسن حظ أي شخص زيي إني ساعتها كنت عرفت النت، وعرفت إن في حاجة اسمها Google وده مش بس موسوعة بتقولك معلومات موثوق فيها، لا ده بيوصلك بمدونات، وموسوعات وأخبار ومنتديات وبتشوف تجارب ناس شبهك، بتشوف مشاكل انت بتواجها وناس تانية حلتها من زمان وساعتها قررت إني ما استسلمش لتوقف إصدار إنكارتا ورحت مغير الكلمة اللي كاتبها في الكشكول وكتبت على سبورة قدامي Just Google It, أوعى تسأل حد عن حاجة، كل ما تتكعبل في كلمة اكتبها في جوجل، حتى لو كلمة تافهة عابرة سمعتها في فيلم، أو مثل شعبي اتقال قدامك، أو مصطلح اتعودت على سماعه قبل كدة لكن ما عرفتش أصوله. ما تكسلش أبداً في إنك تبحث عنه، مش بس عشان تعرف إجابات. لا خالص، عشان تخلق لنفسك مزيد من الأسئلة. الأسئلة ديه هي غداء الروح، هي الفضول اللي بيحرك البشر، هي الكنز اللي بيخليك أغنى من أي شخص تاني عايش من غير أسئلة.
وبعد حياة مثرية ومغذية مع إنكارتا، عشت حياة أكثر ثراءً مع جوجل وانا ممتن كل يوم وبحمد ربنا إني موجود في الزمن اللي البحث فيه سهل للدرجة ديه. أنا ممتن ومستمتع لدرجة بستغرب جداً لما اكتب بوست مثلاً والاقي حد بيسألني يعني ايه كذا، أو مين فلان اللي بتتكلم عنه، أو الكتاب ده الاقيه فين والفيلم ده اجيبه ازاي. بستغرب جداً ازاي الناس اللي بتسأل اسئلة مباشرة وعايزة رد مباشر مش قادرين يستفيدوا من الزمن والنعمة اللي هم فيها. ازاي ما بيجيش في بالهم يبحثوا عنها عشان يوصلوا لإجاباتهم ومزيد من الأسئلة اللي هتفرق في حياتهم وهتغذي روحهم وعقولهم في نفس المدة اللي هينتظروا فيها رد مني أو من شخص غيري. ووصلت إني أحياناً ما برضاش ارد عليهم عشان اديهم فرصة لما ما يلاقوش إجابة مني يجربوا يبحثوا بنفسهم من كتر ما انا نفسي الناس كلها تحس المتعة اللي انا حسيتها والفرق اللي حصل في حياتي بعد ما بقيت مصاب بإدمان إنكارتا.