بدأت حواراً مع أحد الأصدقاء، فمهدت له قائلاً “أنا أدخل الحوارات لأغير مبادئي، في الحقيقة أنا أبدأ كلَ صبحٍ وقد عزمت أن أغير بعض مبادئي في نهاية اليوم”
ضحك صديقي مستغرباً ثم قال “إن ما تقوله في حقِ نفسك يراه الناس إساءةً لك”
فقلت له “وإن الحوارات التي أبدأها معك ثم أنهيها ولا زال كلانا متمسكاً بكلِ مبادئه وكلِ قناعاته دون أن يتحرك خطوة، أراها أيضاً إساءةً لأوقاتنا وإهداراً للعمر والصداقة”
فإن ما يجعلني أنضج في كل يوم هو أنني لست متحيزاً لفكرة ضد أخرى أو مبدأ ضد أخر. كل أفكاري وقناعاتي قابلة للتكسير بعد حوارٍ مع إبني أو صديقي أو قراءة معلومة أو حتى نظرة من نافذة الغرفة على إكتمال القمر. ولو كنت شخصاً ثابت المبدأ لما احتجت لصديقٍ أتحدث إليه أو كلمةٍ أقرأها أو نظرةٍ في الكون أتفكر فيه.
ولأن تصلب القناعات قد يصيب الإنسان بالركود فتصبح كل خطواتنا تشتيتاً للوقت حتى يمر بلا ملل، وليس استغلالاً للوقت حتى يمر بفائدة فننمو ونكبر ونتعلم. فإنني لا أخبر أبنائي أبداً أنني أعلمهم الصواب، ولكنني فقط أعلمهم ما توصلت إلى أنه صواب بينما كنت في طريقي إليهم. وأننا الآن في الطريق معاً وسنظل على الطريق. لذلك فمن المحتمل أن نلتقي في طريقنا بصوابٍ أخر نتغير من أجله. فابحثوا عن صوابكم في طريقكم بأنفسكم وأخبروني لأتعلم وأتنازل عن صوابي القديم.
تعلمت هذا الأمر من أمي دون أن تنتبه هي، حيث لم تشعر بالحرج يوماً أن تقول لي أنها كانت مخطئة عندما أخبرتني كذا، أو أنها كانت صغيرة عندما علمتني كذا، واختلافي معها ينتهي أحيانا كثيرة وهي تقول لي “أنت على حق فشكراً لك” ليس إنهاءً للجدال، لكن حباً في الحقيقة ورغبةً في التطور. فشكراً لها، قد كانت سبباً في أجيالٍ لا تشبه بعضها وشكراً لها فقد كسرت التكرار والملل وسمحت للتطور أن يمر خلالنا.