بابا سنحضِّر أنا وفيروز طعاماً مبتكراً لأنفسنا ولا نريد مساعدتكما، سنضع قطع البسطرمة مع شرائح التركي في الحليب والكورن فليكس. — في الحقيقة لا أجد مشكلة أبداً في هذا، قوما بتحضير وجبتكما كما تريدان.
بابا اريد ان أجرِّب قص الشعر بنفسي، سأقص خصلة من شعري الآن. — لا مشكلة ولكن عليكي أن تعلمي أن الخصلة التي يتم قصها لن يتم تركيبها مرةً أخرى يا فيروز، عليكي انتظارها حتى تنمو مجدداً.
بابا أريد أن أضغط على جميع الأزرار في المصعد لأرى ماذا سيحدث. — قم بفعلها الآن فنحن في وقت متأخر، ولكن عليك أن تعدني ألا تفعلها مرة أخرى أبداً. ربما يكون أحد الجيران مستعجلاً أو مرهقاً وفي حاجة للمصعد بسرعة فلا تتسبب لأحد في عَطلة أو ضرر، كما أن المصعد ليس ملكنا وحدنا وعلينا ألا نستهلكه بمفردنا.
بابا أريد أن ألعب بالماء، أريد أن ألعب في المطر، أريد أن أرتدي ملابس خفيفة في الشتاء، أريد أن أرسم على وجهي قبل الخروج، أريد أن أملأ حوض الغسيل بالمناديل حتى آخره ثم أفتح الماء لأرى ماذا سيحدث.
أنا لم أنشئ أطفالاً قبل فراس وفيروز وليس لدي خبرة كبيرة في التربية، لكنني من اليوم الأول في تربيتهما لم أشعر بارتياح إطلاقاً تجاه العادة الكلاسيكية لرفض طلبات الأطفال بدون مبررات أو هدف، فقررنا أن نجرب العكس، وضعنا القواعد الخمسة لكلمة “لا”، نحن لا نقول “لا” أبداً طالما من الممكن أن نقول نعم، نحن لا نقول “لا” أبداً إلا إذا كان هناك سببٌ مقنعٌ لقولها، وعلى هذا السبب أن يكون مقنعاً لهما أيضاً، نحن لا نقول “لا” إلا ويتبعها نقاشٌ مطولٌ حتى يرضى قلبهما، نحن لا نقول “لا” الروتينية التي اعتاد الأهل على قولها لمجرد أن قولها أكثر سهولة من “نعم”، ونحن لا نقول “لا” لمجرد أن أهلنا كانوا يقولون “لا” على نفس الأشياء أو لمجرد أننا لم نألف هذا النوع من الطلبات.
اتصل بنا والد سارَّة يخبرنا أنه قام بنفسه بصنع الأيس كريم والبسكوت كما وعد فراس وفيروز ويدعونا لزيارتهم، كانت فيروز تقفز على أثاث المنزل من شدة الحماس حتى انتهيت من عملي وركبنا السيارة فتنهدت تنهيدةً خفيفة من شدة الإرهاق.
وضعت فيروز كفها الخفيف على كتفي وسألتني ما بك! قلت لها لا شيء يا فيروز، أشعر فقط ببعض التعب من شدة السهر والعمل. ففاجئتني بردها “بابا، لو تعبان مش لازم نروح طبعاً، أنا عمري ما هتضايق ونبقى ناكل أيس كريم في أي وقت تاني.”
هذه ليست المرة الأولى التي يبهرني بها فراس أو فيروز بتقديرهم للأمور وتقبلهم للظروف واحترامهم للرفض والتنازل من أجلنا عن أشياء يحبونها وهم يشعرون بالرضا تماماً. وكأن القواعد الخمسة لكلمة “لا” جعلتهم يوقنون أننا نفعل كل ما نستطيع من أجلهم ومن أجل الموافقة على طلباتهم، هم يثقون بنا أننا لن نرفض يوماً طلباتهم لمجرد أننا نريد أن نرفض أو لمجرد أننا لا نقدر مشاعرهم واحتياجهم للأفعال الطفولية أو لمجرد أننا نشعر بالكسل. هذه الثقة التي وضعناها فيهما لم تكن سهلة يوماً ما، كانت مرهقة، كانت مكلفة، كانت تستوجب التفكير كثيراً والتخلي عن بعض عاداتنا وأمراضنا العصبية ومشاكلنا النفسية. لكنها كانت سبباً رئيسياً في أنني الآن أعيش علاقة رائعة واستمتع بنقاش رائع معهما وهما يقدران تماماً كل مواقفي وظروفي وطلباتي وأنني إذا قلت يوماً “لا” أو “لا أستطيع” أو “ليس الآن” يتأكدون وقتها أن هناك سبب ما لرفضي وأنني قد فعلت كل ما بوسعي قبل هذا الرفض وأن عليهم احترامه، فبارك الله فيهما وأسعدهما كما أسعداني بتقديرهما وحبهما.