في الكرسي الخلفي من السيارة جلس فراس وفيروز أثناء الطريق يخططان لرحلة شتوية يذهبان إليها. قال فراس هل تعرفين يا فيروز أن هناك مدينة إسمها موسكو! ما رأيك أن نذهب إليها؟ قالت، سأذهب معك إلى أي مكان يا فراس لكن إياك أن تختار الذهاب إلى فرنسا أو بلجيكا. قال لها ما هي بلجيكا! ولماذا لا نذهب إليهما بالتحديد! — يا فراس، في مطار فرنسا ومطار بلجيكا يوجد حفرة سحرية، من يسقط بها لا يخرج منها أبداً. ما هذا التخريف يا فيروز!! — صدقني يا فراس هذه حقيقة.
أخفضت مرآة السيارة لأنظر ماذا تقول هذه الطفلة ذي الخيال الواسع. وكيف لها أن تعرف عن بلدٍ إسمه بلجيكا في هذا العمر. قال لها فراس من قال لكي هذا! قالت عرفته من نفسي — كيف عرفتيه! عرفته سنة ١٩٨٨. حدقت في المرآة، خفضت سرعتي من فوق ال ١٢٠ إلى تحت ال ٧٠ ولم أنتبه للطريق من الصدمة وأنا أحاول إستيعاب ما تقوله فيروز. ١٩٨٨! بلجيكا! فرنسا! مطار! لا يخرج أبداً! حفرة!
يا الله … أدركت أنا وزوجتي في نفس اللحظة ماذا تقصد فيروز وكدنا أن ننهار من شدة الضحك في منتصف الطريق. هل أنتي حقاً تحكين قصة (مهران نصري) لفراس. من أخبرك هذه القصة يا صغيرتي. — قالت وهي تبستم، لم أكن قد رحت في النوم بعد عندما كنت تتحدث مع أمي عن هذا الرجل، قد سمعت القصة بأكملها وقد حفظتها.
لا يبدو أنها فقط قد سمعت القصة، هي أيضاً قد تأثرت بها مثلما أنا متأثرُ بها جداً حتى تتذكرها وتحكيها لفراس بهذا الشكل، قصة مهران نصري هي أغرب القصص في التاريخ التي يتوقف أمامها عقلي وتتأثر مشاعري، هي قصة حقيقة مع الأسف وليست خيالية كما كان يظن فراس. مهران نصري هو رجلُ إيراني قد غادر إيران عام ١٩٨٨ لظروفٍ سياسية وقرر أن يكمل حياته في بريطانيا لأنها بلد أمه. عندما وصل إلى لندن إكتشف أنه قد فقد جواز سفره ولم يستطع تقديم نفسه في المطار وفي نفس الوقت لم تتمكن سلطات المطار من الإستعلام عنه بسبب مشاكله السياسية في إيران فقرروا أن يعيدوه إلى وطنه ولكنه سيسافر من خلال مطار فرنسا. في مطار فرنسا فشلت السلطات في إثبات موطنه الأصلي، هو لا يملك أوراق، هو قادمٌ من مطار لندن لأنه لم يتم قبوله هناك ولا يوجد دليل على أنه من إيران فليس من حق المطار إعادته إلى بلده. وعندما قرروا إعتقاله في فرنسا لم يجدوا سبباً قانونياً للاعتقال. كان وضعه غريباً وقتها، لا يمكن إعادته إلى أي مكان، لا يمكن أن يخرج من المطار إلى شوارع فرنسا لأنه لا يملك هوية ولا بطاقة هجرة، لا يمكن إعتقاله، ولا يحق لأحد طرده من المطار، ولا يملك أحدٌ في هذا العالم الصلاحية لإثبات شخصيته. ولذلك كان الملجأ القانوني الوحيد لمهران هو أن يعيش في المطار. وضَعَ مهران حقائبه في صالة واحد في مطار تشارل دي جول منتظراً أن يقوم أحدٌ بحل مشكلته، لم يكن يعرف وقتها أن مشكلته لن يتم حلها أبداً وأنه سيعيش في هذا المكان إلى الأبد، ظل مهران نصري يسكن في صالة ١ بين المسافرين وبين حقائبه من عام ١٩٨٨ حتى عام ٢٠٠٦. ثمانية عشر عاماً لا يستطيع أي قانون حل مشكلته أو تحريكه من هذا المكان. كان يحصل على الطعام من المسافرين المتعاطفين ومن عمال المطار الذين يعرفون قصته، كان يتلقى الزيارات من بعض الأشخاص الذين يزورون مطار تشارل دي جول لرؤيته وتقديم الهدايا له، ومن الصاحفيين الذين يريدون سماع القصة. وفي عام ٢٠٠٣ قامت شركة دريم وركس بشراء هذه الرواية الغريبة مقابل ٢٥٠ ألف دولار لصالح مهران لكنه لن يستطيع إنفاقها إلا داخل صالة ١، وهي القصة التي تم تقديمها في فيلم The Terminal عام ٢٠٠٤ لكن بإسم مستعار بدلاً من (مهران) ووطنٍ مستعار بدلاً من إيران ( وهو إقليم كاراكوزيا ) لو كنت شاهدت الفيلم فعليك أن تعلم أن إقليم كاراكوزيا لم يكن خرافة. هو حقيقة لقصة مؤلمة. إنتهت في الفيلم بشكلٍ ساخر لكن هي في الحقيقة لم تنته كذلك. كانت بلجيكا وفرنسا يحاولان حل مشكلة مهران طوال فترة وجوده في المطار وفي ٢٠٠٦ خرج من المطار للعلاج باتفاقٍ مع منظمة خيرية في باريس بشرط ألا يخرج من المنظمة إلى الشارع الفرنسي أبداً وهو هناك حتى الآن.
يقول القانونيون أنه ليس مجرماً لكنه قد سقط في ثغرة قانونية لم يتمكن أحدٌ من إخراجه منها أبداً بشكلٍ قانوني أو بشكلٍ إنساني. هذه الثغرة القانونية هي الحفرة الكبيرة التي كانت في رواية فيروز الطفولية التي كانت ترويها لفراس في الكرسي الخلفي من السيارة والتي لم تكن خرافة كما كان يتهمها، نعم هي صعبة التصديق، هي مؤلمة، هي مؤثرة ومجنونة لكن هذا العالم حتى وإن كنت أحبه جداً لكنه لا يزال غريباً وخرافياً وفوضوياً ومجنوناً بالقدر الذي يصعب على الأطفال في عمر فراس وفيروز تخيله ويصعب على الشباب في عمري تصديقه ويصعب على الكبار في عمر مهران العيش فيه، لا يزال العالم يحتاج للمراجعة لا يزال يحتاج للتطوير لا يزال يحتاج للتنظيم ولا يزال يحتاج إلى كل إنسانٍ فيه أن ينقذه بالقدر الذي يستطيع.