كان فراس يردد كلمة لا أفهم معناها بصوتٍ منخفض، قالَ تقريباً -إيزيتو- أو -ميزيتو- ثم لم يتوقف هو وفيروز عن الضحك وبدئا يغيران منها بعض الحروف ثم يزيدا في الضحك معاً. قاطعتهما وقتها قائلاً، ما هذه الكلمة يافراس! قال هي كلمة مضحكة إخترعتها، وما معناها! — لا تعني شيء، أقولها فقط لتضحك فيروز.
كنا وقتها نشاهد مباراة أوغندا، فقلت له، إسمع يا صديقي الصغير، سأبحث عن أسماء اللاعبين في المباراة، لو وجدت لاعباً بهذا الإسم سأتخذ بعدها قراراً لن يعجبك ولن يعجبني. بالفعل كان لاعباً في منتخب أوغندا إسمه (كيزيتو) وبالفعل كان فراس يضحك على الإسم.
كنا قد تحدثنا في هذا الأمر كثيراً، لا يمر علينا يومٌ إلا ونقوم بالتنبيه عدة مرات، لا تسخر من أحد ولا تدع أحداً يسخر منك. نحن مختلفون، ثقافاتنا مختلفة وطباع بيوتنا مختلفة ومبادئنا مختلفة وأسمائنا مختلفة، إياك أن تسخر من إسمٍ قد رأيته غريباً على أذنيك، وإياك أن تسمح لأحدٍ أن يسخر من إسمك. إسمك أيضاً قد يثير الضحك لبعض الناس ويمكن أن تغير فيه حرفاً ليصبح مضحكاً، فلا تفعل ولا تسمح لأحدٍ أن يفعل.
أغلقت المباراة وقلت له لا مشاهدة للمباريات مرة أخرى حتى تتعلم هذا الدرس وتؤمن بالاختلاف. كان لي صديقة جامعية يا فراس إسمها (جولي) من بلدٍ إسمه (ميكرونيزيا) عندما التقيت بها للمرة الأولى كنت أسئلها إذا كانت تعرف مطعماً قريباً يقدم الأكل الحلال، لكنها لم تفهم كلمة (حلال) مهما حاولت توضيحها، ثم سألتني ما إسمك، قلت لها إسمي أحمد وأنا متيقنٌ أنه إسمٌ مألوفٌ عالمياً، لكنها لم تتوقف بعدها عن الضحك، كانت تحاول الإعتذار وهي تضحك ولا تتوقف أبداً. شعرت بالإحراج والإرتباك بعض الشيء ولاحَظَت هي توتري، فقالت وهي لا زالت تضحك “عفواً، أعذرني على الضحك وحتى لا يتكرر الأمر مرةً أخرى دعني أطلق عليك إسماً أخر، سأناديك Andy بعد ذلك منعاً للوقوع في الضحك” إستمرت صداقتنا عاماً وهي لا تستطيع أن تقول لي إلا آندي.
حتى إسمي المألوف كان مضحكاً في جانبٍ أخر من هذا العالم، فعالمنا واسعٌ جداً يا فراس ونحن لسنا وحدنا على الأرض، ثقافتنا ليست مركز الثقافات، وبيتنا ليس محور المبادئ، وأفكارنا محدودةٌ بعقولنا نحن، وصوابنا ليس مؤكد أنه صواب، ولغتنا غريبةٌ على بعض الناس، وقد تشبه أسمائنا كلماتٍ مضحكة أو محرجة في لغاتٍ أخرى، إن أردت أن تبقى إنساناً محلياً محدوداً بالشارع الذي تسكن فيه فلا تتقبل إلا من يشبهوك ولا يتقبلك إلا من يشبهك، أما إن أردت أن تصبح إنساناً عالمياً غير محدودٍ تُغير في العالم وتُشارك فيه، فعليك أن تدرك هذا الأمر جيداً وهو ليس بالأمر الصعب، فمن السهل جداً أن تتقبل الاختلاف وأن تحمي نفسك من أن تتنمر على أحد، وإن فعل كلٌ منا هذا لن تحتاج يوماً أن تحمي نفسك من أن يتم التنمر عليك. أرجو ألا يتكرر الأمر وأرجو أن تدرك أنك ليس وحدك على هذه الأرض وأرجو ألا نكون يوماً من المتنمرين أو من المتنمر عليهم.
أنهيت كلامي وأبدى فراس إستياعبه، واستأذنته فوافق أن أكتب هذا المقال. فالشكر له على ثقته في نفسه وشدة إدراكه، وسنكمل مشاهدة المباريات لأنه تعلم الدرس ولأنه يستحق هذا.