إستقبلنا رجلٌ على باب المحل بينما كنت أتحدث مع الفيروزة عن الأشياء التي تريد شرائها وكانت تخبرني أنها تشتهي أكل كذا وكذا من المكسرات، كنا نتحدث كصديقين عاقلين بالغين ناضجين وقد بدا على الرجل إعجابه بالحوار فمد يده على شعرها, ومثل غيره من الذين أقابلهم كل يوم قرر أن يكون سخيفاً بعض الشيء… قال لها – تبارك الله – أنتي ذكية يا صغيرتي ولكن في المرةِ القادمة أخبري أهلك أن يمشطوا لكِ شعرك قبل الخروج من المنزل لتكوني أجمل… وكالعادةِ فإني سريع الرد لأننا نتعرض لهذا النوع من التعليقات في كل يوم، وكالعادةِ أيضاً فإني لا أترك هذا الأمر يمر بلطف خاصةً إذا بالغ المتحدث فيه. قلت له يا رجل! كيف ترى أن هذا الجمال يمكنه أن يصبح أجمل، إياك أن تسخر من شعر فيروز المقدس فقد بلغت ذروة الجمال بالفعل بما هي عليه الآن.
يا رجل! يبدو أنك لديك قصورٌ في ثلاثة أشياء من أهم ما يتحلى به الإنسان، لديك قصورٌ في الذوق فترى الجمال موجزاً في الشعر المصفف فقط، ولديك قصورٌ في الفكر فتظن أن ذوقك القاصر هذا هو محور الذوق في هذا العالم, ولديك قصورٌ في تحديد حدودك، فلا تدرك مساحتك الخاصة التي لا عليك أن تتخطاها.
يا رجل! كل الاحترام مني لذوقك، لكن إياك أن تظن أنك صاحب الذوق الأمثل، وإياك أن يتعدى ذوقك حدودك أنت، ليس من حقك حتى أن تطبقه على بناتك فضلاً على ابنتي أنا. إن كنت تقتصر الجمال في شعرٍ مرتب أو بشرةٍ شقراء أو عينين زرقاوتين فالأمر أمرك والقصور قصورك وهي مشكلتك وحدك. لا تنقل نظرتك القاصرة إلى غيرك رغماً عنهم وإياك أن تؤثر على ذوق غيرك. ليس من شأنك ولا من شأني أن نخبر هذه الفيروزة الصغيرة كيف سيكون شعرها أجمل.
يا رجل! قصورك يجعلك لا تدرك ما وراء هذا الشعر من جمال. أنت لا تدرك أن ما لفتك لها من حديثها وجرأتها وثقتها بي وبنفسها وبراءتها وعفويتها وعدم تكلفها وجمالها الذهبي الخاطف هو أحد ثمار هذا الشعر الذي لم نسخر منه يوماً ولم نسمح لأحدٍ أن يعلق عليه أبداً، لم نجبرها على طريقة ترتبيه يوماً ولم نزعجها أو نؤلمها حتى نصففه لها من أجل مظهرها أمام الناس في الطرقات أو المناسبات أو الزيارات العائلية أو أمام المحلات، نحن نريدها عفوية ونحبها عفوية ونعاملها بعفوية، نريدها سعيدة بما هي عليه ونريدها في أتم درجات الراحة والرضا والأمان والهدوء النفسي، لا نريد غير ذلك أبداً.
أما أنتي يا فيروز! فيا صاحبة الشعر الذهبي كوني كما أنتي عليه بجمالك وفوضوية شعرك، كوني سعيدة ذكية واثقة رائعة لبقة وحنونة كما أنتي… ويا شعر فيروز المقدس! كن ذهبياً أو داكناً أو قصيراً أو طويلاً أو فوضوياً، كن أنثوياً أو صبيانياً كن كما تكون وكما تريد وكما يريح قلب صاحبتك، فإنك وإن كنت لا تحدد جمالها وحدك، وإن كانت هي جميلة بك أو بدونك، لكنك قطعةٌ ذهبيةٌ على رأس جمالها.