قالت خذا علبتين من هنا وضعا لأنفسكما الأيس كريم ثم تفضلا لدفع ثمنه حسب الوزن، ملأت علبتي وملأت زوجتي علبتها وذهبنا لوزنهما، كانت السيدة تحدد سعرهما وهي تبتسم وتقول لنا “العلبة الأولى ثلاثة وتسعون جراماً والثانية ثلاثة وتسعون جراماً مثلها تماماً، كيف فعلتما هذا! من الرائع أن تكونا متشابهين إلى هذا الحد فزواجاً هنيئاً لكما” – ابتسمت لكلماتها وأنا أقول في الحقيقة ياسيدتي نحن متشابهان إلى أبعد من هذا الحد بكثير.
نحن متشابهان في تقاليدنا وعاداتنا ومواعيد نومنا وأكلاتنا المفضلة وأسباب ضحكنا وسرعة النطق وكثرة الكلام واشتياقنا للبحر والمساحات الخضراء ونحب الطائرات والمطارات بنفس القدر وتمتلئ مذكراتنا بأحلام السفر وتمتلىء متصفحاتنا بكلمات البحث في موقع “Airbnb” عن أماكن إقامة, حتى بعض قرارتنا السرية عندما نبوح بها يظهر فيها تشابهاً كبيراً. ونحمل نفس الكم من الحب لأبنائنا ونفس الحرص على تربيتهما، وكنا مختلفين قليلاً في حب النظام وتقبل الفوضى إلا أنها أصبحت تتقبل الفوضى مثلي فتشابهنا بهذا الأمر أيضاً.
ورغم أن التقليدين قد اتفقوا على أن الاختلاف هو نكهة العلاقات وهو ما يجعل كل طرفٍ مكملاً للآخر وغالباً ما ينصحون المقبلين على العلاقات بذلك، إلا أنني لا أرى في الاختلاف ولو بسيطاً إلا توتراً لا تصفو به علاقة. وأرى في التشابه راحة بالٍ وصفاء ذهنٍ وبساطة عيش وقلة توتر. وعندما يسألني أحد المقبلين على علاقة عن نصيحة، أقول بلا تردد، اختر صديقاً مختلفاً عنك يتمم نقصك، واختر موظفاً مختلفاً عنك يلهمك بما ليس في بالك، وليكن لك أخٌ مختلفٌ عنك يرشدك إن فقدت صوابك، وليكن لك أمٌ مختلفةٌ عنك تنبهك لما ليس تنتبه، وليكن لك أبٌ مختلفٌ عنك يمنحك من الحكمة ما تفتقد. أما صاحبة عمرك ورفيقة بيتك فلتكن أكثر الناس شبهاً لك، ثقافةً ونشأةً وفكراً وقولاً وطموحاً، فالتشابه يدعم العلاقة ويحفظها، حتى ميولكم التافهة المشتركة بينكم تكن دعماً قوياً لعلاقتكما. فإن لم تضحكا لنفس السبب وإن لم تشعرا بالسخافة تجاه نفس الأمر سيكون الاختلاف صعباً فيما هو أكبر من ذلك. وإن كنتما متشابهين إلى حد كبير تمر الأيام بلطف ويهنأ يومكم وليلكم وبالكم، فابحث عن قوة التشابه يكن زواجك زواجاً هنيئاً كقول سيدة الأيس كريم.