عندما يتعلق الأمر بفراس وفيروز، فكل الأمور تعتبر جادة وإن كانت تافهة في ظاهرها، حتى طريقة ترتيب البيت ستبني جانباً فيهما وتؤثر في مستقبلهما.
فمثلاً، وجود أشياء غالية في غرفة الإستقبال ووضعها بنظام سيزيد من حالات المنع ويشعرهم أحياناً بالحرمان. وجود خزانة أحذية بجانب الباب والإلتزام بخلع الأحذية عند الدخول ووضعها في الخزانة سيقلل من عفويتهم وحماسهم عند دخول البيت. تجهيز أماكن خاصة لإلقاء الملابس باستهتار من غير حاملات سيجعل عملية تغيير الملابس أسهل. وجود خزانة كؤوس زجاجية سيزيد من حالات التحذير والتنبيه التي تشعر الطفل بالتقييد.
لذلك عندما أصمم جزئاً في منزلنا أختار أن يكون فوضوياً أو قابلاً لعدم الترتيب. الفوضى بقدر ما تبدو مزعجة إلا أنها ترتب العلاقات بيننا. والترتيب بقدر ما يبدو مريحاً للنفس إلا أنه يجعل العلاقة بيننا فوضوية بعض الشيء. البيوت المرتبة والمنظمة تحملك مسؤلية الحفاظ على النظام، وتحرم الطفل من ممارسة تصرفاته الطبيعية. الأم التي تستهلك طاقتها في الترتيب وتصمم بيتاً نظيفاً منظماً، تصاب بالتوتر والإحباط من تحركات الأطفال الطبيعية. فالبيت المرتب يعلو فيه الصوت وتزداد فيه الخلافات على الأشياء التي تم تحريكها من موضعها والأدوات التي تم إفسادها بعد أن قضت الأم ساعات في تنظيمها ويتعرض فيه الأطفال للإحراج أو التوبيخ بسبب دخولهم بالأحذية سهواً إلى غرف الإستقبال. ويقل فيه استمتاع الأطفال بألعابهم لأن إلقاء الألعاب بلا مبالاه والذي يسبب المتعة للأطفال، سيصاحبه إنزعاج من الأهل وكلمات تأنيب. أما البيت الفوضوي فكل هذه التصرفات تمر فيه ببساطة ولا ينتبه لها أحد فنترك مجالاً لأمور أهم ننشغل بها. لذلك أنا لا أهتم إطلاقاً بترتيب بيتي ولا غرفتي، أحبها فوضوية حتى يمارس فراس وفيروز طفولتهم دون أن يشعروا بالإحباط أنهم أفسدوا لنا نظامناً، أنا لا أريدهم أن يتحملوا شعوراً بالذنب لأنهم أطفال طبيعين.